من قصص القرآن (قارون وكنوزه)
صفحة 1 من اصل 1
من قصص القرآن (قارون وكنوزه)
سر الثراء
أرسل الله عز وجل موسي عليه السلام إلي فرعون وومه يدعوهم إلي عبادة الله الواحد ويطلب منهم أن يتركوا بني إسرائيل
ويرفعوا عنهم العذاب المهين .. فلم يستجب فرعون لدعوة كليم الله موسي عليه السلام وراح يحارب دعوته ويعذب من
يؤمن بالله الواحد ..
وكان بنو إسرائيل يرون أن موسي عليه السلام هو المخلص لهم مما هم فيه من ذل واستعباد ولكن بعضهم كان يحقد علي
موسي عليه السلام ويحسده .. خاصة الذين ينتفعون من فرعون ، ويقتربون ويحصلون علي مايريدون من فرعون وقومه .
وكان من هؤلاء رجل اسمه قارون يصهب وهو ابن عم موسي عليه السلام ولكنه كان يتقرب إلي فرعون ويقف بجانبه ضد
نبي الله موسي عليه السلام .. وقد اشتهر قارون بثرائه الفاحش وثروته المالية الطائلة .. حتي صار مثلاً لكل غني
وثري مهما بلغ غناه أو ثراؤه فى كل مكان وزمان ..
وقد تحدث المفسرون عن سر ثراء قارون .. فذكر بعضهم أنه كان يقوم بعمليات كيميائية يحول من خلالها النحاس إلي
ذهب ثم يبيع هذا الذهب بأموال طائلة وقال بعض المفسرين :إن قارون جمع هذه
الثروة من أعمال غير مشروعة .. وكان يستغل صداقته لفرعون وهامان
فى نماء هذه الثروة ..
ويحصل علي كثير من التسهيلات التي تتيحها له هذه الصداقة .. فتكون هذه
التسهيلات سبباً فى نماء ثروته بشكل أو بآخر وقال فريق ثالث : إن قارون
كان يفعل ذلك كله ..يستغل علمه الكيميائي فى نماء ثروته كما يستغل صداقته
بفرعون وقومه كما يقوم بأعمال كثيرة غير مشروعة ..لذلك نجده يقول عن
هذا المال : إنما أوتيته علي علم عندي .. القصص 78
وإذا كان المفسرون قد اختلفوا فى سر ثراء قارون وكيفية جمع أمواله فإنهم
اتفقوا علي أن ثروته كانت كبيرة جداً ولم يكن أحد يملك مثلها آنذاك إلا
فرعون
وهامان فقد كان الثلاثة أغني أغنياء عصرهم .. بل ربما كان قارون أغني
الثلاثة لذلك عندما أراد الله عز وجل أن يصف ثراء قارون الفاحش لم يذكر
مقدار هذا الثراء ولا كثرة الكنوز .. ولكنه سبحانه أشار فقط إلي مفاتيح
الخزائن فقال تعالي :وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه بتنوء بالعصبة أولي
القوة
فإذا تصورنا أن هذه هي المفاتيح فكيف تكون الخزائن ؟ وكيف يكون مابداخلها ؟
وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه المفاتيح كانت مصنوعة من الجلود وكانت تحمل علي ستين بغلاً ويصعب علي مجموعة من الرجال الأشداء حملها ..
ولم تكن ثروة قارون ما في خزائنه من أموال فحسب بل كان لديه أيضاً عدد
كثير من الخيل والمركبات والحرس .. وكانت مركباته مطعمه بالفضة والذهب
وكانت سروج خيله مصنوعه من الجلد المزين بالذهب الخالص وكان قصره عظيماً
يشبه قصر فرعون أعمدته من الرخام المحلي بالذهب والفضة وأرضيته
من الرخام ونوافذه من خشب الصندل المعطر ..
بخل وغرور
لم يشكر قارون ربه عز وجل علي ماأنعم عليه من مال كثير وثروة طائلة ولم
يعرف حق الله فى هذا المال فلم يخرج منه للفقراء والمحتاجين ولم يسخره في
نصرة دين الله والوقوف مع نبي الله موسي عليه السلام .. ولكنه فعل عكس ذلك
وحمله ثراؤه علي أن يقف بجانب فرعون وهامان ضد موسي عليه السلام
لأنه أحس أن طبقة الأغنياء والأمراء هي أقرب إليه من طبقة الفقراء من قومه
بني إسرائيل .. فنظر قارون إلي قومه نظرة احتقار واستهزاء .. واغتر
بماله وثروته وراح يتكبر علي موسي وبني إسرائيل وإلي جانب الغرور والكبر
الذي اتصف به قارون كان أيضاً بخيلاً شحيحاً يجهل فضيلة الإحسان للفقراء
والمحتاجين ولا يعرف قيمة العطف علي المساكين أعطاه ثراؤه إحساساً بالعظمة
وملأ قلبه بالفرحة فصار يشعر بالقوة والغني والنفوذ وظن أنه خالد فى الدنيا
وأن ماله خالد معه فانغمس فى ملذات الدنيا فكان يأكل أفضل الطعام وأغلاه
ويرتدي أفخر الثياب وأجملها ويستغل الفقراء فى خدمته ويسخرهم فى الأعمال
الشاقة ولا يعيطيهم مما يستحقون إلا القليل مستغلاً حاجتهم وفقرهم الشديد
فكان يظلمهم ظلماً شديداً ويعتدي عليهم وكان يفسد فى الأرض ولا يعينه أن
يموت
غيره جوعاً طالما أن ثروته تزيد وماله يكثر وكان كلما زاد المال وكثرت ثروته ازداد بخلاً وظلماً وكبراً وغروراً .
إيمان ... وجحود
جحد قارون نعمة الله عليه ،وزاد كبره وغروره يوماً بعد يوم وكان يخرج إلي
الناس فى موكب مهيب إذ كان موكبه أشهر المواكب عظمة وبهاء بعد موكب
فرعون وكان إذا سار به تحت أشعة الشمس تلألأ الذهب والنحاس والجواهر ..
وخطف وهجه أبصار الناس .. وفتنهم فتنه كبيرة لذلك انقسم الناس
أمام ثراء قارون وبهائه الشديد إلي قسمين قسم مؤمن بالله الواحد يعلم أن
ما فيه قارون امتحان من الله وابتلاء له .. وقسم انخدع بهذا الأمر وصار
يتمني
أن يكون مثل قارون ويحكي لنا القرآن عن هذين القسمين بأن قارون خرج ذات
يوم فى موكبه يمر فى المدينة فوقف الناس يشاهدون هذا الموكب ويتأملون أعمدة
الموكب التي صنعت من الذهب وستائره التي نسجت من الحرير .. وخيوله التي وضع عليها سروج وأدوات مرصعة بالزبرجد والماس والياقوت ..
وحولها الحرس من كل جانب .. فقال بعض الناس : ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم .. القصص 79
لقد انخدع هؤلاء بزينة قارون وبدأ الشك والجحود يتسرب إلي نفوسهم وظن
بعضهم أن قارون أفضل من موسي عليه السلام وأن الله لو كان يحب موسي حقاً
لأعطاه مثلما أعطي قارون ..وأمام هؤلاء يقف القسم الثاني من الناس وهم
المؤمنون الصادقون حقاً فنجدم لا ينخدعون بهذه الزينه الكاذبة التي يعيش
فيها
قارون وقد عابوا علي هؤلاء ماتمنوا ، وذكروهم بأن مافيه قارون فتنه لا يجب
أن يقعوا فيها وأن ماعند الله من ثواب أفضل مما فيه قارون وقالوا لهم :
ويلكم
ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون .. القصص 80
دعوة ... وعناد
لما رأي موسي عليه السلام أن ثراء قارون قد صار فتنه علي المؤمنين من قومه
أرسل إليه جماعة من المؤمنين لينصحوه ويذكروه بالله عز وجل ويبينوا له
مايجب عليه فى هذا المال من تصدق وانفاق علي الفقراء والمساكين من قومه
فذهب إليه هؤلاء المؤمنون العقلاء وقال له أحدهم ياقارون لقد خلق الله
المال ولكن
بشرط أن يكون المتاع عبارة عن شكر لله المنعم .. فتعطي الفقراء وتصرف
الأموال فى طاعة الله تعالي وقال آخر : ياقارون لا تفسد فى الأرض بالظلم
والبغي إن الله لا يحب المفسدين كما لا يحب الفرحين .
ولكن قارون لم يقبل هذا الكلام ولم يستجب لتلك النصائح وقال لهم : إن هذا
المال ملكي وحدي .. كسبته بنفسي وأوتيته بعلمي وجهدي .. فما لكم
تفرضون علي الطرق التي أصرفه فيها وتتحكمون فى ملكيتي الخاصة ليس لأحد منكم حق فى مالي هذا .
ثم قام قارون بطرد المؤمنين من قصره وهددهم بالقتل فخرجوا وقد علموا أن
قارون أصبح مغروراً ونسي مصدر نعمته وأصبح مفتوناً بالمال وأعماه الثراء
عن الحكمة مما أعطاه الله ولم ينتبه إلي أن الله تعالي قد أهلك من قبله
أجيالاً كانت أشد منه قوة وأكثر مالاً وعاد هؤلاء العقلاء إلي موسي عليه
السلام
وأخبروه بما فعله معهم قارون فأخبرهم موسي عليه السلام أن كبر قارون
وغروره وبخله ذلك سيكون سبباً فى هلاكه ويجب عليهم ألا يفتتنوا بما هو فيه
من نعم
ومال لأن هذا المال اختبار من الله ويجب عليهم أن يحمدوا الله تعالي
ويلتزموا بخلق الرضا والقناعة فذلك خير لهم من الدنيا ومتاعها الزائل
فاقتنع المؤمنون
بكلام نبي الله موسي عليه السلام وحمدوا الله عز وجل وشكروه علي نعمه
الكثيرة التي من بها عليهم وأيقنوا أن قارون لم ينجح فى الامتحان الذي
دخله بل
رسب فيه لأنه رفض أن يخرج زكاة ماله أو يعترف بفضل الله عليه .
مؤامرة إجرامية
وقف قارون إلي جانب فرعون وهامان فى محاربة كليم الله موسي عليه السلام
لأنه أحس أن دعوة نبي الله موسي تهدد ثروته الطائلة ونفوذه الكبير فراح
يفكر
فى التخلص من نبي الله موسي عليه السلام محاولاً بثروته وماله أن يقضي علي
دعوة موسي ويفرق الناس عنه وأوحي إليه شيطانه بأن ينشر كذباً بالفحشاء
عن نبي الله موسي وأن يبحث عن فضيحة ولو بالباطل يتهم بها موسي عليه
السلام فأمر أحد الحراس أن يذهب ويأتيه بامرأه باغية شريرة مشهورة بالفجور
والفاحشة فذهب الرجل وجاءه بباغية من بغايا بني إسرائيل فأعطاها قارون
مالاً وذهباً وفضة إغراء لها وذلك فى مقابل أن تذهب إلي مجلس موسي أمام
الناس
جميعاً وتدعي أن موسي فعل معها الفاحشة وزني بها ليلاً وبذلك لا يصدقه أحد
فيما يقول وينصرف الناس عنه ويقضي بذلك علي دعوته ورسالته .
وأمام إغراء المال وافقت المرأة علي ذلك فأخذت الذهب والفضة وذهبت إلي
مجلس كليم الله موسي عليه السلام لتفعل ما آمرها به قارون فوجدت موسي عليه
السلام يعلم الناس شرائع الدين ويحدثهم عن الله فوقفت المرأه أمام الناس وقالت : لا تصدقوه إنه ساحر وقد كان معي فى فراشي أمس .
فنظر الناس جميعاً إلي المرأة فى عجب وقد علت وجوههم الدهشة من هذا
الإدعاء إذ كيف تدعي امرأة أن موسي الطاهر العفيف فعل معها الفاحشة ؟؟
وما الذي جعلها تقول ذلك ؟؟ فسكت موسي عن الكلام ونظر إلي المرأة أنا فعلت
ذلك ؟ فقالت فى تبجح وشفور : نعم لقد زنيت بي الليله الماضية .
فشل المؤامرة
رأي موسي عليه السلام إصرار المرأة علي الكذب فعلم أن احداً من أعدائه هو
الذي سلطها علي ذلك ولكنه فكر : من يكون؟؟ إن فرعون وهامان لا يلجأن
إلي مثل هذه الأمور لأنهما يواجهان موسي مباشرة ويعذبان بني إسرائيل
علانيه وجهاراً .. ولا يلجأ إلي مثل هذه الأساليب الدنيئة إلا ضعيف لا
يريد أن
يظهر العداوة صراحة وأراد موسي عليه السلام أن يعرف حقيقة الأمر .. ولن
يدله علي ذلك إلا الله تبارك وتعالي .. فقام وصلي ودعا الله أن يكشف
الحق أمام الناس .. ثم توجه ناحية المرأه وأقبل عليها واستحلفها بالله
قائلاًُ : أيتها المرأة استحلفك بالله هل أنا فعلت معك شيئاً ؟ فارتعدت
المرأة
وشعرت أنها لو كذبت سوف يخسف الله بها الأرض أو يرسل عليها عذاباً شديداً
فنطق لسانها بالصدق وخرج الحق من قلبها وفمها فقالت : والله يانبي الله
إنك لأطهر الناس، وأفضل الناس ومافعلت معي شيئاً ..فسألها : إذن لما قلت ذلك ؟ وماحملك علي هذا ؟ .. فقالت : قارون .. فسألها:
ماذا فعل ؟ فقالت أمرني أن أقول ذلك أمام الناس وأعطاني مالاً وذهباً ثم
استغفرت الله وتابت اليه وعلم موسي عليه السلام أن مال قارون أصبح خطراً
كبيراً
وصار يؤازر السلطة الظالمة فى مواجهة الحق فسجد موسي عليه السلام شكراً
لله علي إظهار براءته أمام الناس جميعاً وعرف كل الحاضرين أن قارون هو
الذي دبر هذه المؤامرة الإجرامية وذلك بسبب حقده وحسده لموسي عليه السلام
واستأنف موسي عليه السلام المجلس من جديد .. وجمع المؤمنين من قومه
واستكمل حديثة معهم عن دين الله .. وشريعته .. وأوامره ونواهيه.. وراح يعلمهم الأحكام والآداب السامية والأخلاق الريعة وينهاهم عن
الفحشاء والمنكر والبغي .
خسف قارون
ذات يوم كان كليم الله موسي عليه جالساً مع جماعة من بني إسرائيل ..يحدثهم
عن الله عز وجل وعن دينه الحق وأثناء ذلك مر قارون فى موكبه الفخم وزينته
الكبيرة حوله الحرس والجنود وقد تلألأ الذهب والياقوت فى مراكبه ونزلت
ستائر الحرير حول عربته فلما اقترب الموكب من موسي عليه السلام نادي موسي
علي قارون فأوقف قارون الموكب ونظر من داخل المركبه إلي موسي عليه السلام
نظرة سخرية واستهزاء فسأله موسي عن السبب الذي جعله يحرض عليه
المرأه البغي فاعترف قارون بأنه فعل ذلك ليقضي علي دعته وأنه سوف يظل
يحاربه ويقاتله وقال : ياموسي أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة فقد فضلت عليك
بالمال ولئن شئت لتخرجن فلتدعون علي ولأدعون عليك .فوافق موسي عليه السلام
علي ذلك فخرج موسي أمام الناس فدعا قارون أولاً فلم يستجب له فرفع
موسي عليه السلام وقال : اللهم مر الأرض فلتطعني اليوم فأوحي الله بأن
الأرض طائعه لك فأمر موسي الأرض أن تبتلع قارون وكنوزه فابتلعتهم فى بطنها
قال تعالي : فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين .. القصص 81
ندم وتوبة
رأي بنو إسرائيل ماحدث لقارون وقصوره وكنوزه وشاهدوا خسفه بأعينهم وشاهدوه
وهو ينهار وتبتلع الأرض داره وأمواله وزينته وهو ضعيف عاجز لا ينصره
أحد ولا يشفع له مال ولا جاه وسقطت مع قارون الفتنة التي تسبب فيها وخرجت
المياه من جوف الأرض مكان قصره وصنعت بحيرة واسعه عرفت باسم
بحيرة قارون ..
وهنا ندم الذين كانوا يتمنون مكانته وتابوا إلي الله عز وجل واستغفروه
وعلموا أن الثراء ليس دليلاً علي رضا الله تعالي فالله هو الذي يوسع الزرق
علي من يشاء
من عباده ويضيقه علي من يشاء لأسباب ليس بينها السخط أو الرضا .. فلو كان
البغي والمال الوفير دليل علي رضا الله ماكانت هذه نهاية قارون
قال تعالي : وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق
لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح
الكافرون .. القصص 82
وهكذا كانت قصة قارون وكنوزه عبرة وعظة لبني إسرائيل وغيرهم حتي يعلم
الناس أن عزة الله ليست فى كثرة الأموال ولا فى نعيم الدنيا وإنما هو فى
طاعة
الله وعبادته التي يحصل الإنسان من خلالها علي الجنة وثواب الآخرة قال
تعالي : تلك الدار الآخرة للذين لا يريدون علواً فى الأرض ولا فساداً
والعاقبة
للمتقين .... القصص 83
أرسل الله عز وجل موسي عليه السلام إلي فرعون وومه يدعوهم إلي عبادة الله الواحد ويطلب منهم أن يتركوا بني إسرائيل
ويرفعوا عنهم العذاب المهين .. فلم يستجب فرعون لدعوة كليم الله موسي عليه السلام وراح يحارب دعوته ويعذب من
يؤمن بالله الواحد ..
وكان بنو إسرائيل يرون أن موسي عليه السلام هو المخلص لهم مما هم فيه من ذل واستعباد ولكن بعضهم كان يحقد علي
موسي عليه السلام ويحسده .. خاصة الذين ينتفعون من فرعون ، ويقتربون ويحصلون علي مايريدون من فرعون وقومه .
وكان من هؤلاء رجل اسمه قارون يصهب وهو ابن عم موسي عليه السلام ولكنه كان يتقرب إلي فرعون ويقف بجانبه ضد
نبي الله موسي عليه السلام .. وقد اشتهر قارون بثرائه الفاحش وثروته المالية الطائلة .. حتي صار مثلاً لكل غني
وثري مهما بلغ غناه أو ثراؤه فى كل مكان وزمان ..
وقد تحدث المفسرون عن سر ثراء قارون .. فذكر بعضهم أنه كان يقوم بعمليات كيميائية يحول من خلالها النحاس إلي
ذهب ثم يبيع هذا الذهب بأموال طائلة وقال بعض المفسرين :إن قارون جمع هذه
الثروة من أعمال غير مشروعة .. وكان يستغل صداقته لفرعون وهامان
فى نماء هذه الثروة ..
ويحصل علي كثير من التسهيلات التي تتيحها له هذه الصداقة .. فتكون هذه
التسهيلات سبباً فى نماء ثروته بشكل أو بآخر وقال فريق ثالث : إن قارون
كان يفعل ذلك كله ..يستغل علمه الكيميائي فى نماء ثروته كما يستغل صداقته
بفرعون وقومه كما يقوم بأعمال كثيرة غير مشروعة ..لذلك نجده يقول عن
هذا المال : إنما أوتيته علي علم عندي .. القصص 78
وإذا كان المفسرون قد اختلفوا فى سر ثراء قارون وكيفية جمع أمواله فإنهم
اتفقوا علي أن ثروته كانت كبيرة جداً ولم يكن أحد يملك مثلها آنذاك إلا
فرعون
وهامان فقد كان الثلاثة أغني أغنياء عصرهم .. بل ربما كان قارون أغني
الثلاثة لذلك عندما أراد الله عز وجل أن يصف ثراء قارون الفاحش لم يذكر
مقدار هذا الثراء ولا كثرة الكنوز .. ولكنه سبحانه أشار فقط إلي مفاتيح
الخزائن فقال تعالي :وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه بتنوء بالعصبة أولي
القوة
فإذا تصورنا أن هذه هي المفاتيح فكيف تكون الخزائن ؟ وكيف يكون مابداخلها ؟
وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه المفاتيح كانت مصنوعة من الجلود وكانت تحمل علي ستين بغلاً ويصعب علي مجموعة من الرجال الأشداء حملها ..
ولم تكن ثروة قارون ما في خزائنه من أموال فحسب بل كان لديه أيضاً عدد
كثير من الخيل والمركبات والحرس .. وكانت مركباته مطعمه بالفضة والذهب
وكانت سروج خيله مصنوعه من الجلد المزين بالذهب الخالص وكان قصره عظيماً
يشبه قصر فرعون أعمدته من الرخام المحلي بالذهب والفضة وأرضيته
من الرخام ونوافذه من خشب الصندل المعطر ..
بخل وغرور
لم يشكر قارون ربه عز وجل علي ماأنعم عليه من مال كثير وثروة طائلة ولم
يعرف حق الله فى هذا المال فلم يخرج منه للفقراء والمحتاجين ولم يسخره في
نصرة دين الله والوقوف مع نبي الله موسي عليه السلام .. ولكنه فعل عكس ذلك
وحمله ثراؤه علي أن يقف بجانب فرعون وهامان ضد موسي عليه السلام
لأنه أحس أن طبقة الأغنياء والأمراء هي أقرب إليه من طبقة الفقراء من قومه
بني إسرائيل .. فنظر قارون إلي قومه نظرة احتقار واستهزاء .. واغتر
بماله وثروته وراح يتكبر علي موسي وبني إسرائيل وإلي جانب الغرور والكبر
الذي اتصف به قارون كان أيضاً بخيلاً شحيحاً يجهل فضيلة الإحسان للفقراء
والمحتاجين ولا يعرف قيمة العطف علي المساكين أعطاه ثراؤه إحساساً بالعظمة
وملأ قلبه بالفرحة فصار يشعر بالقوة والغني والنفوذ وظن أنه خالد فى الدنيا
وأن ماله خالد معه فانغمس فى ملذات الدنيا فكان يأكل أفضل الطعام وأغلاه
ويرتدي أفخر الثياب وأجملها ويستغل الفقراء فى خدمته ويسخرهم فى الأعمال
الشاقة ولا يعيطيهم مما يستحقون إلا القليل مستغلاً حاجتهم وفقرهم الشديد
فكان يظلمهم ظلماً شديداً ويعتدي عليهم وكان يفسد فى الأرض ولا يعينه أن
يموت
غيره جوعاً طالما أن ثروته تزيد وماله يكثر وكان كلما زاد المال وكثرت ثروته ازداد بخلاً وظلماً وكبراً وغروراً .
إيمان ... وجحود
جحد قارون نعمة الله عليه ،وزاد كبره وغروره يوماً بعد يوم وكان يخرج إلي
الناس فى موكب مهيب إذ كان موكبه أشهر المواكب عظمة وبهاء بعد موكب
فرعون وكان إذا سار به تحت أشعة الشمس تلألأ الذهب والنحاس والجواهر ..
وخطف وهجه أبصار الناس .. وفتنهم فتنه كبيرة لذلك انقسم الناس
أمام ثراء قارون وبهائه الشديد إلي قسمين قسم مؤمن بالله الواحد يعلم أن
ما فيه قارون امتحان من الله وابتلاء له .. وقسم انخدع بهذا الأمر وصار
يتمني
أن يكون مثل قارون ويحكي لنا القرآن عن هذين القسمين بأن قارون خرج ذات
يوم فى موكبه يمر فى المدينة فوقف الناس يشاهدون هذا الموكب ويتأملون أعمدة
الموكب التي صنعت من الذهب وستائره التي نسجت من الحرير .. وخيوله التي وضع عليها سروج وأدوات مرصعة بالزبرجد والماس والياقوت ..
وحولها الحرس من كل جانب .. فقال بعض الناس : ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم .. القصص 79
لقد انخدع هؤلاء بزينة قارون وبدأ الشك والجحود يتسرب إلي نفوسهم وظن
بعضهم أن قارون أفضل من موسي عليه السلام وأن الله لو كان يحب موسي حقاً
لأعطاه مثلما أعطي قارون ..وأمام هؤلاء يقف القسم الثاني من الناس وهم
المؤمنون الصادقون حقاً فنجدم لا ينخدعون بهذه الزينه الكاذبة التي يعيش
فيها
قارون وقد عابوا علي هؤلاء ماتمنوا ، وذكروهم بأن مافيه قارون فتنه لا يجب
أن يقعوا فيها وأن ماعند الله من ثواب أفضل مما فيه قارون وقالوا لهم :
ويلكم
ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون .. القصص 80
دعوة ... وعناد
لما رأي موسي عليه السلام أن ثراء قارون قد صار فتنه علي المؤمنين من قومه
أرسل إليه جماعة من المؤمنين لينصحوه ويذكروه بالله عز وجل ويبينوا له
مايجب عليه فى هذا المال من تصدق وانفاق علي الفقراء والمساكين من قومه
فذهب إليه هؤلاء المؤمنون العقلاء وقال له أحدهم ياقارون لقد خلق الله
المال ولكن
بشرط أن يكون المتاع عبارة عن شكر لله المنعم .. فتعطي الفقراء وتصرف
الأموال فى طاعة الله تعالي وقال آخر : ياقارون لا تفسد فى الأرض بالظلم
والبغي إن الله لا يحب المفسدين كما لا يحب الفرحين .
ولكن قارون لم يقبل هذا الكلام ولم يستجب لتلك النصائح وقال لهم : إن هذا
المال ملكي وحدي .. كسبته بنفسي وأوتيته بعلمي وجهدي .. فما لكم
تفرضون علي الطرق التي أصرفه فيها وتتحكمون فى ملكيتي الخاصة ليس لأحد منكم حق فى مالي هذا .
ثم قام قارون بطرد المؤمنين من قصره وهددهم بالقتل فخرجوا وقد علموا أن
قارون أصبح مغروراً ونسي مصدر نعمته وأصبح مفتوناً بالمال وأعماه الثراء
عن الحكمة مما أعطاه الله ولم ينتبه إلي أن الله تعالي قد أهلك من قبله
أجيالاً كانت أشد منه قوة وأكثر مالاً وعاد هؤلاء العقلاء إلي موسي عليه
السلام
وأخبروه بما فعله معهم قارون فأخبرهم موسي عليه السلام أن كبر قارون
وغروره وبخله ذلك سيكون سبباً فى هلاكه ويجب عليهم ألا يفتتنوا بما هو فيه
من نعم
ومال لأن هذا المال اختبار من الله ويجب عليهم أن يحمدوا الله تعالي
ويلتزموا بخلق الرضا والقناعة فذلك خير لهم من الدنيا ومتاعها الزائل
فاقتنع المؤمنون
بكلام نبي الله موسي عليه السلام وحمدوا الله عز وجل وشكروه علي نعمه
الكثيرة التي من بها عليهم وأيقنوا أن قارون لم ينجح فى الامتحان الذي
دخله بل
رسب فيه لأنه رفض أن يخرج زكاة ماله أو يعترف بفضل الله عليه .
مؤامرة إجرامية
وقف قارون إلي جانب فرعون وهامان فى محاربة كليم الله موسي عليه السلام
لأنه أحس أن دعوة نبي الله موسي تهدد ثروته الطائلة ونفوذه الكبير فراح
يفكر
فى التخلص من نبي الله موسي عليه السلام محاولاً بثروته وماله أن يقضي علي
دعوة موسي ويفرق الناس عنه وأوحي إليه شيطانه بأن ينشر كذباً بالفحشاء
عن نبي الله موسي وأن يبحث عن فضيحة ولو بالباطل يتهم بها موسي عليه
السلام فأمر أحد الحراس أن يذهب ويأتيه بامرأه باغية شريرة مشهورة بالفجور
والفاحشة فذهب الرجل وجاءه بباغية من بغايا بني إسرائيل فأعطاها قارون
مالاً وذهباً وفضة إغراء لها وذلك فى مقابل أن تذهب إلي مجلس موسي أمام
الناس
جميعاً وتدعي أن موسي فعل معها الفاحشة وزني بها ليلاً وبذلك لا يصدقه أحد
فيما يقول وينصرف الناس عنه ويقضي بذلك علي دعوته ورسالته .
وأمام إغراء المال وافقت المرأة علي ذلك فأخذت الذهب والفضة وذهبت إلي
مجلس كليم الله موسي عليه السلام لتفعل ما آمرها به قارون فوجدت موسي عليه
السلام يعلم الناس شرائع الدين ويحدثهم عن الله فوقفت المرأه أمام الناس وقالت : لا تصدقوه إنه ساحر وقد كان معي فى فراشي أمس .
فنظر الناس جميعاً إلي المرأة فى عجب وقد علت وجوههم الدهشة من هذا
الإدعاء إذ كيف تدعي امرأة أن موسي الطاهر العفيف فعل معها الفاحشة ؟؟
وما الذي جعلها تقول ذلك ؟؟ فسكت موسي عن الكلام ونظر إلي المرأة أنا فعلت
ذلك ؟ فقالت فى تبجح وشفور : نعم لقد زنيت بي الليله الماضية .
فشل المؤامرة
رأي موسي عليه السلام إصرار المرأة علي الكذب فعلم أن احداً من أعدائه هو
الذي سلطها علي ذلك ولكنه فكر : من يكون؟؟ إن فرعون وهامان لا يلجأن
إلي مثل هذه الأمور لأنهما يواجهان موسي مباشرة ويعذبان بني إسرائيل
علانيه وجهاراً .. ولا يلجأ إلي مثل هذه الأساليب الدنيئة إلا ضعيف لا
يريد أن
يظهر العداوة صراحة وأراد موسي عليه السلام أن يعرف حقيقة الأمر .. ولن
يدله علي ذلك إلا الله تبارك وتعالي .. فقام وصلي ودعا الله أن يكشف
الحق أمام الناس .. ثم توجه ناحية المرأه وأقبل عليها واستحلفها بالله
قائلاًُ : أيتها المرأة استحلفك بالله هل أنا فعلت معك شيئاً ؟ فارتعدت
المرأة
وشعرت أنها لو كذبت سوف يخسف الله بها الأرض أو يرسل عليها عذاباً شديداً
فنطق لسانها بالصدق وخرج الحق من قلبها وفمها فقالت : والله يانبي الله
إنك لأطهر الناس، وأفضل الناس ومافعلت معي شيئاً ..فسألها : إذن لما قلت ذلك ؟ وماحملك علي هذا ؟ .. فقالت : قارون .. فسألها:
ماذا فعل ؟ فقالت أمرني أن أقول ذلك أمام الناس وأعطاني مالاً وذهباً ثم
استغفرت الله وتابت اليه وعلم موسي عليه السلام أن مال قارون أصبح خطراً
كبيراً
وصار يؤازر السلطة الظالمة فى مواجهة الحق فسجد موسي عليه السلام شكراً
لله علي إظهار براءته أمام الناس جميعاً وعرف كل الحاضرين أن قارون هو
الذي دبر هذه المؤامرة الإجرامية وذلك بسبب حقده وحسده لموسي عليه السلام
واستأنف موسي عليه السلام المجلس من جديد .. وجمع المؤمنين من قومه
واستكمل حديثة معهم عن دين الله .. وشريعته .. وأوامره ونواهيه.. وراح يعلمهم الأحكام والآداب السامية والأخلاق الريعة وينهاهم عن
الفحشاء والمنكر والبغي .
خسف قارون
ذات يوم كان كليم الله موسي عليه جالساً مع جماعة من بني إسرائيل ..يحدثهم
عن الله عز وجل وعن دينه الحق وأثناء ذلك مر قارون فى موكبه الفخم وزينته
الكبيرة حوله الحرس والجنود وقد تلألأ الذهب والياقوت فى مراكبه ونزلت
ستائر الحرير حول عربته فلما اقترب الموكب من موسي عليه السلام نادي موسي
علي قارون فأوقف قارون الموكب ونظر من داخل المركبه إلي موسي عليه السلام
نظرة سخرية واستهزاء فسأله موسي عن السبب الذي جعله يحرض عليه
المرأه البغي فاعترف قارون بأنه فعل ذلك ليقضي علي دعته وأنه سوف يظل
يحاربه ويقاتله وقال : ياموسي أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة فقد فضلت عليك
بالمال ولئن شئت لتخرجن فلتدعون علي ولأدعون عليك .فوافق موسي عليه السلام
علي ذلك فخرج موسي أمام الناس فدعا قارون أولاً فلم يستجب له فرفع
موسي عليه السلام وقال : اللهم مر الأرض فلتطعني اليوم فأوحي الله بأن
الأرض طائعه لك فأمر موسي الأرض أن تبتلع قارون وكنوزه فابتلعتهم فى بطنها
قال تعالي : فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين .. القصص 81
ندم وتوبة
رأي بنو إسرائيل ماحدث لقارون وقصوره وكنوزه وشاهدوا خسفه بأعينهم وشاهدوه
وهو ينهار وتبتلع الأرض داره وأمواله وزينته وهو ضعيف عاجز لا ينصره
أحد ولا يشفع له مال ولا جاه وسقطت مع قارون الفتنة التي تسبب فيها وخرجت
المياه من جوف الأرض مكان قصره وصنعت بحيرة واسعه عرفت باسم
بحيرة قارون ..
وهنا ندم الذين كانوا يتمنون مكانته وتابوا إلي الله عز وجل واستغفروه
وعلموا أن الثراء ليس دليلاً علي رضا الله تعالي فالله هو الذي يوسع الزرق
علي من يشاء
من عباده ويضيقه علي من يشاء لأسباب ليس بينها السخط أو الرضا .. فلو كان
البغي والمال الوفير دليل علي رضا الله ماكانت هذه نهاية قارون
قال تعالي : وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق
لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح
الكافرون .. القصص 82
وهكذا كانت قصة قارون وكنوزه عبرة وعظة لبني إسرائيل وغيرهم حتي يعلم
الناس أن عزة الله ليست فى كثرة الأموال ولا فى نعيم الدنيا وإنما هو فى
طاعة
الله وعبادته التي يحصل الإنسان من خلالها علي الجنة وثواب الآخرة قال
تعالي : تلك الدار الآخرة للذين لا يريدون علواً فى الأرض ولا فساداً
والعاقبة
للمتقين .... القصص 83
الخبير- عضومميز
-
عدد المساهمات : 108
النقاط : 288
تاريخ التسجيل : 06/11/2009
مواضيع مماثلة
» من قصص القرآن ( عجل السامري )
» من قصص القرآن ( بقرة بني إسرائيل )
» من قصص القرآن ( عيسي عليه السلام )
» من قصص القرآن ( زكريا عليه السلام )
» من قصص القرآن ( بقرة بني إسرائيل )
» من قصص القرآن ( عيسي عليه السلام )
» من قصص القرآن ( زكريا عليه السلام )
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى